في عام 1970 لم يكن عدد سكان كانكون المكسيكية يتجاوز ثلاثة
أشخاص فقط يقومون بأعمال تنظيف الشاطئ الذي يعتبر في نظر الملايين من زواره الأجمل
بين شواطئ العالم. أما اليوم فيبلغ عدد سكان المدينة قرابة ثلاثة أرباع المليون بزيادة
عشرين في المائة عن تعدادهم حسب إحصاء عام 2005 في حين يتجاوز عدد السياح الذين يتوافدون
عليها من أنحاء العالم كافة المليونين سنوياً.وبالنسبة للأميركيين أصبحت كانكون الوجهة
المفضلة لقضاء الإجازات، بل إن الآلاف منهم استقروا في المدينة، كما أن شركات الطيران
الأميركية تتنافس على جذب المسافرين إلى كانكون بتنظيم أكثر من خمس وسبعين رحلة جوية
يومياً من كل المدن الرئيسية في الولايات المتحدة إلى المدينة التي يصفونها بلؤلؤة
الكاريبي.
وفي 26 نوفمبر 2010 افتتح رسمياً أكبر متحف تحت الماء في
العالم قبالة شواطئ هذه المدينة. ويضم المتحف الذي يحمل اسم «التطور الصامت» أكثر من
أربعمائة تمثال بالحجم الطبيعي لأشخاص من سكان المنطقة في أوضاع مختلفة.
يقول صاحب الفكرة إن التماثيل تعبّر عن مسيرة الإنسان منذ
حضارة شعب المايان قبل آلاف السنين حتى الإنسان المعاصر، مروراً بالنقاط الفاصلة في
مسيرة البشرية في تلك المنطقة من العالم. فهناك تمثال على سبيل المثال يحمل اسم يوم
الاستقلال وتمثال آخر يحمل اسم الثورة.
الهدف من إقامة هذا المتحف جعل المدينة مزاراً عالمياً لعشاق
السباحة والغطس من جهة، وللمساعدة في بناء وتكوين حواجز مرجانية بدلاً من الحواجز الطبيعية
التي تآكلت مع الأيام بسبب الإهمال من جهة، وبسبب هواة الغطس الذين كانوا يستسهلون
كسر قطع المرجان وأخذها للذكرى أو لبيعها من جهة ثانية.
العمل 18 شهرا
استغرق العمل في صنع هذه التماثيل ثمانية عشر شهراً واستخدم
فيها مائة وعشرون طناً من الإسمنت المعالج لكي يقاوم عوامل التآكل وأربعمائة كيلوغرام
من مادة السيليكون وثلاثة آلاف وثمانمائة غالون من الفيبرغلاس، بالإضافة إلى عشرات
العمال الذين تولوا مهمة إنزال التماثيل إلى الأماكن المخصصة لها وتثبيت كل منها فوق
قاعدة من الإسمنت تزن طنين لمنع التيارات المائية من جرفها.
بدأت الفكرة قبل عامين في رأس المهندس والنحات البريطاني
جيسون تايلور الذي صنع ثلاثة تماثيل بالحجم الطبيعي لأشخاص من سكان المنطقة، وأطلق
على هذه التماثيل أسماء باللغة الأسبانية تعني: جامع الأحلام.. رجل النار.. وبستاني
الأمل.
البداية 3 تماثيل
في 14 نوفمبر 2009 أُنزلت التماثيل الثلاثة إلى عمق عشرة
أمتار بالقرب من مركز للحياة البحرية حيث تكثر الأسماك والحواجز المرجانية على أمل
المساعدة في تكوين حواجز مرجانية جديدة.
لم يقف المشروع عند هذا الحد بسبب الدعم القوي الذي لقيه
من السلطات المكسيكية والجهات الدولية المهتمة بالحواجز المرجانية مما شجع صاحب المشروع
على تطوير الفكرة وزيادة عدد التماثيل إلى ما يزيد على الأربعمائة وعدم الاكتفاء بالتماثيل
الثلاثة التي استقرت في القاع.
أهمية ثقافية وبيئية
تكمن الأهمية الثقافية والبيئية لهذه التماثيل في أن العشرات
من العلماء والمتخصصين تعاونوا في تصميمها بحيث تكون قادرة على جذب المرجان.. كما أن
مواقعها اختيرت بعناية فائقة ومدروسة بحيث تساهم في تطوير المنطقة في المستقبل لتصبح
أكبر منطقة لتجمعات المرجان في العالم.
ومن المهم الإشارة إلى أن السلطات الرسمية قررت عدم استيفاء
أي رسوم من السياح الذين يزاولون هواية الغطس في المنطقة، ماداموا لا يلحقون الأذى
أو الضرر بالتماثيل والتجمعات المرجانية، لكنها تنصح هؤلاء الزوار بالاستعانة بخبير
في الغطس كي يرافقهم أثناء جولتهم في الأعماق.
سواحل رائعة
يقع متحف الأعماق قبالة مدينة كانكون وجزيرة موهيرا بانتا..
أما كانكون نفسها فتقع في الجزء الشمالي من شبه جزيرة كوينتانارو المكسيكية، وتتميز
بسواحلها الرائعة ومياهها شديدة الزرقة.
وفي العام الماضي أنفقت السلطات واحداً وسبعين مليون دولار
لتجميل الشاطئ. وفي إطار هذا المشروع الضخم جرى جلب مليار وثلاثمائة مليون غالون من
الرمال النظيفة لنشرها قبالة سلسلة من فنادق الدرجة الأولى التي تغص بالسياح على مدار
العام مما يجعل المدينة الكاريبية الوجهة الأكثر جذباً للسياح في القارة الأميركية
بشقيها الشمالي والجنوبي.
وتوفر المدينة لزوارها فرصة للاطّلاع على معالم نهضة ضاربة
في القدم حيث كانت مركزاً لحضارة الأنكا والأزتيك والمايان التي ازدهرت قبل ثلاثة آلاف
عام من جهة والتطور الحضاري والثقافي المطعم بالحضارات الأوروبية الحديثة من جهة ثانية.
وتوجد في المنطقة أربع جزر تتنافس في ما بينها على لقب الأجمل
والأكثر جذباً للسياح هي: هولبوكس، موهيرا، كونتوي وكوزوميل.
عينان مفتوحتان
يوضح المختصون نقطة في غاية الأهمية وهي أن التماثيل وضعت
في أماكنها بحيث يستطيع ركاب الطائرات التي تعبر أجواء المنطقة على ارتفاعات معقولة
أن يروا رؤوس التماثيل، كأنها وجه بشري تتوسطه عينان مفتوحتان.
الفن والبيئة
يقول الخبراء إن التماثيل مصنوعة من الإسمنت المعالج بمواد
كيميائية صديقة للبيئة مما يساعدها على جذب المرجان وتشجيعه على التكاثر في بيئة نظيفة،
كما أن التماثيل في حد ذاتها تعبر عن العلاقة التفاعلية بين الفن الحديث والبيئة النظيفة.
الملاك الرمادي
يشير المهتمون إلى أن الطبيعة رحبت على طريقتها بالضيوف الجدد،
وذلك بقدوم رفوف من الأسماك المعروفة باسم «الملاك الرمادي» إلى المنطقة، ولم يكن يعرف
أن هذه الأسماك وُجدت في المنطقة قبل إنزال التماثيل المصنوعة من الإسمنت إلى قاع البحر.
رسائل من العالم
يحمل التمثال المسمى «جامع الأحلام» عشرات الزجاجات التي
تحتوي كل منها على رسالة يتمنى مرسلها النجاح لهذا المشروع الرائد وقد جاءت هذه الرسائل
من أنحاء العالم كافة.